فصل: باب الاعتكاف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المختار للفتوى ***


باب زكاة الزروع والثمار

ما سقته السماء أو سقى سيحًا ففيه العشر قل أو كثر، إلا القصب الفارسي والحطب والحشيش، وما سقى بالدولاب والدالية فنصف العشر، ولا شيء في التبن والسعف، ولا تحسب مئونته، والخرج عليه‏.‏ وفي العسل العشر قل أو كثر إذا أخذ من أرض العشر، والأرض العشرية إذا اشتراها ذمي صارت خراجيةً، والخراجية لا تصير عشرية أصلًا، ولا شيء فيما يستخرج من البحر كاللؤلؤ والعنبر والمرجان، ولا فيما يوجد في الجبال كالجص والنورة والياقوت والفيروزج والزمرد‏.‏

باب العاشر

وهو من نصبه الإمام على الطريق ليأخذ الصدقات من التجار مما يمرون عليه؛ فيأخذ من المسلم ربع العشر، ومن الذمي نصف العشر، ومن الحربي العشر‏.‏ فمن أنكر تمام الحول أو الفراغ من الدين، أو قال‏:‏ أديت إلى عاشر آخر، أو إلى الفقراء في المصر وحلف صدق، والمسلم والذمي سواء؛ والحربي لا يصدق إلا في أمهات الأولاد، ويعشر قيمة الخمر دون الخنزير‏.‏

باب المعدن

مسلم أو ذمي وجد معدن ذهب أو فضة أو حديد أو رصاص أو نحاس في أرض عشر أو خراج، فخمسه فئ والباقي له؛ وإن وجده في داره فلا شيء فيه، وكذلك لو وجده في أرضه؛ وإن وجده حربي في دار الإسلام فهو فئ؛ ومن وجد كنزًا فيه علامة المسلمين فهو لقطة، وإن كان فيه علامة الشرك فهو من مال المشركين فيكون غنيمةً ففيه الخمس والباقي للواجد، وإن وجد في دار رجل مالًا مدفونًا من أموال الجاهلية فهو لمن كانت الدار له، وهو المختط الذي خطها الإمام له عند الفتح، فإن لم يعرف المختط فلأقصى ما لك يعرف لها‏.‏

باب مصارف الزكاة

وهم الفقير وهو الذي له أدنى شيء، والمسكين الذي لا شيء له، والعامل على الصدقة يعطي بقدر عمله، ومنقطع الغزاة والحاج، والمكاتب يعان في فك رقبته، والمديون الفقير، والمنقطع عن ماله، وللمالك أن يعطي جميعهم، وله أن يقتصر على أحدهم، ولا يدفعها إلى ذمي، ولا إلى غني، ولا إلى ولد غني صغير، ولا مملوك غني، ولا إلى من بينهما قرابة ولاد أعلى أو أسفل، ولا إلى زوجته، ولا إلى مكاتبه، ولا إلى هاشمي، ولا إلى مولى هاشمي، وإن أعطى فقيرًا واحدًا نصابًا أو أكثر جاز ويكره، ويجوز دفعها إلى من يملك دون النصاب وإن كان صححا مكتسبًا، ولو دفعها إلى من ظنه فقيرًا فكان غنيًا، أو هاشميًا، أو دفعها في ظلمة فظهر أنه أبوه أو ابته أجزأه، وإن كان عبده أو مكاتبه لم يجزه، ويكره نقلها إلى بلد آخر إلا إلى قرابته أو من هو أحوج من أهل بلده‏.‏

باب صدقة الفطر

وهي واجبة على الحر المسلم المالك لمقدار النصاب فاضلًا عن حوائجه الأصلية، عن نفسه وأولاده الصغار وعبيده للخدمة ومدبره وأم ولده وإن كانوا كفارًا لا غير، وهي نصف صاع من بر أو دقيقه، أو صاع من شعير أو دقيقه أو تمر أو زبيب، أو قيمة ذلك، والصاع ثمانية أرطال بالعراقي، وتجب بطلوع الفجر من يوم الفطر، فإن قدمها جاز، وإن أخرها فعليه إخراجها، وإن كان للصغير مال أدى عنه وليه وعن عبده، ويستحب إخراجها يوم الفطر قبل الخروج إلى المصلى‏.‏

كتاب الصوم

صوم رمضان فريضة على كل مسلم عاقل بالغ أداءً وقضاءً، وصوم النذر والكفارات واجب، وما سواه نفل، وصوم العيدين وأيام التشريق حرام، وصوم رمضان، والنذر المعين يجوز بنية من الليل وإلى نصف النهار، وبمطلق النية، وبنية النفل‏.‏

والنفل يجوز بنية من النهار، ويجوز صوم رمضان بنية واجب آخر، وباقي الصوم لا يجوز إلا بنية معينة من الليل، والمريض والمسافر في رمضان إن نوى واجبًا آخر وقع عنه وإلا وقع عن رمضان‏.‏

ووقت الصوم من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، وهو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع مع النية بشرط الطهارة عن الحيض والنفاس؛ ويجب أن يلتمس الناس الهلال في التاسع والعشرين من شعبان وقت الغروب، فإن رأوه صاموا، وإن غم عليهم أكملوه ثلاثين يومًا، وإن كان بالسماء علة غيم أو غبار أو نحوهما مما يمنع الرؤية قبل شهادة الواحد العدل، والحر والعبد والمرأة في ذلك سواء، فإن رد القاضي شهادته صام، وإن لم يكن بالسماء علة لم تقبل إلا شهادة جمع يقع العلم بخبرهم، فإذا ثبت في بلد لزم جميع الناس؛ ولا اعتبار باختلاف المطالع، ولا يصام يوم الشك إلا تطوعًا، ويلتمس هلال شوال في التاسع والعشرين من رمضان، فمن رآه وحده لا يفطر، فإن أفطر قضاه ولا كفارة عليه، فإن كان بالسماء علة قبل شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، وإن لم يكن بها علة فجمع كثير، وذو الحجة كشوال‏.‏

فصل ‏[‏القضاء والكفارة‏]‏

ومن جامع أو جومع في أحد السبيلين عامدًا، أو أكل أو شرب عامدًا غذاءً أو دواءً وهو صائم في رمضان عليه القضاء والكفارة مثل المظاهر، وإن جامع فيما دون السبيلين أو بهيمةً، أو قبل، أو لمس فأنزل، او احتقن، أو استعط، أو أقطر في أذنه، أو داوي جائفةً أو آمةً فوصل إلى جوفه أو دماغه، أو ابتلع الحديد، أو استقاء ملء فيه، أو تسحر يظنه ليلًا والفجر طالع، أو أفطر يظنه ليلًا والشمس طالعة فعليه القضاء لا غير، وإن أكل أو شرب أو جامع ناسيًا، أو نام فاحتلم، أو نظر إلى امرأة فأنزل أو ادهن أو اكتحل، أو قبل، أو اغتاب، أو غلبه القئ، أو أقطر في إحليله، أو دخل حلقه غبار أو ذباب، أو أصبح جنبًا لم يفطر، وإن ابتلع طعامًا بين أسنانه مثل الحمصة أفطر وإلا فلا، ويكره للصائم مضغ العلك والذوق والقبلة إن لم يأمن على نفسه‏.‏

فصل ‏[‏أعذار الصوم‏]‏

ومن خاف المرض أو زيادته أفطر، والمسافر صومه أفضل، ولو أفطر جاز، فإن ماتا على حالهما لا شيء عليهما، وإن صح وأقام ثم ماتا لزمهما القضاء بقدره، ويوصيان بالإطعام عنهما لكل يوم مسكينًا كالفطرة؛ والحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما أو نفسيهما أفطرتا وقضتا لا غير؛ والشيخ الذي لا يقدر على الصيام يفطر ويطعم؛ ومن جن الشهر كله فلا قضاء عليه، وإن أفاق بعضه قضى ما فاته؛ وإن أغمى عليه رمضان كله قضاه، ويلزم صوم النفل بالشروع أداءً وقضاءً، وإذا طهرت الحائض، أو قدم المسافر، أو بلغ الصبي، أو أسلم الكافر في بعض النهار أمسك بقيته، وقضاء رمضان إن شاء تابع وإن شاء فرق، فإن جاء رمضان آخر صامه ثم قضى الأول لا غير، ومن نذر صوم يومي العيد وأيام التشريق لزمه ويفطر ويقضي، ولو صامها أجزأه‏.‏

باب الاعتكاف

الاعتكاف سنة مؤكدة، ولا يجوز أقل من يوم، وهذا في الواجب وهو المنذور باتفاق أصحابنا وهو اللبث في مسجد جماعة مع الصوم والنية، والمرأة تعتكف في مسجد بيتها، ويشترط في حقها ما يشترط في حق الرجل في المسجد، ولا يخرج من معتكفه إلا لحاجة الإنسان أو الجمعة، فإن خرج لغير عذر ساعةً فسد، ويكره له الصمت، ولا يتكلم إلا بخير، ويحرم عليه الوطء ودواعيه، فإن جامع ليلًا أو نهارًا عامدًا أو ناسيًا بطل، ومن أوجب على نفسه اعتكاف أيام لزمته بلياليها متتابعةً، ولو نوى النهار خاصةً صدق، ويلزم بالشروع‏.‏

كتاب الحج

وهو فريضة العمر، ولا يجب إلا مرةً واحدةً على كل مسلم حر عاقل بالغ صحيح قادر على الزاد والراحلة، ونفقة ذهابه وإيابه فاضلًا عن حوائجه الأصلية ونفقة عياله إلى حين يعود ويكون الطريق أمنا، ولا تحج المرأة إلا بزوج أو محرم إذا كان سفرًا، ونفقة المحرم عليها، وتحج معه حجة الإسلام بغير إذن زوجها، ووقته شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة، ويكره تقديم الإحرام عليها ويجوز‏.‏ والمواقيت‏:‏ للعراقيين ذات عرق، وللشاميين الجحفة، وللمدنيين ذو الحليفة، وللنجديين قرن، ولليمنيين يلملم، وإن قدم الإحرام عليها فهو أفضل، ولا يجوز للأفاقي أن يتجاوزها إلا محرمًا إذا أراد دخول مكة، فإن جاوزها الأفاقي بغير إحرام فعليه شاة فإن عاد فأحرم منه سقط الدم، وإن أحرم بحجة أو عمرة ثم عاد إليه ملبيًا سقط أيضًا، ولو عاد بعد ما استلم الحجر وشرع في الطواف لم يسقط، وإن جاوز الميقات لا يريد دخول مكة فلا شيء عليه، ومن كان داخل الميقات فميقاته الحل، ومن كان بمكة فوقته في الحج الحرم، وفي العمرة الحل‏.‏

وإذا أراد أن يحرم يستحب له أن يقلم أظفاره، ويقص شاربه، ويحلق عانته، ثم يتوضأ أو يغتسل وهو أفضل، ويلبس إزارًا ورداءً جديدين أبيضين وهو أفضل، ولو لبس ثوبًا واحدًا يستر عورته جاز، ويتطيب إن وجد، ويصلي ركعتين ويقول‏:‏ اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني، وإن نوى بقلبه أجزأه، ثم يلبي عقيب صلاته‏.‏

والتلبية‏:‏ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ والنَعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ‏.‏ فإذا نوى ولبى فقد أحرم، فليتق الرفث والفسوق والجدال، ولا يلبس قميصًا ولا سراويل، ولا عمامةً، ولا قلنسوةً، ولا قباءً، ولا خفين، ولا يحلق شيئًا من شعر رأسه وجسده ولا يلبس ثوبًا معصفرًا ونحوه، ولا يغطي رأسه ولا وجهه، ولا يتطيب، ولا يغسل رأسه ولا لحيته بالخطمى، ولا يدهن، ولا يقتل صيد البر، ولا يشير إليه، ولا يدل عليه، ويجوز له قتل البراغيث والبق والذباب والحية والعقرب والفأرة والذئب والغراب والحدأة وسائر السباع إذا صالت عليه، ولا يكسر بيض الصيد، ولا يقطع شجر الحرم، ويجوز له صيد السمك ويجوز له ذبح الإبل والبقر والغنم والدجاج والبط الأهلي، ويجوز له أن يغتسل ويدخل الحمام، ويستظل بالبيت والمحمل، ويشد في وسطه الهميان، ويقاتل عدوه، ويكثر من التلبية عقيب الصلوات، وكلما علا شرفًا أو هبط واديًا أو لقى ركبًا وبالأسحار‏.‏

فصل ‏[‏دخول مكة‏]‏

ولا يضره ليلًا دخل مكة أو نهارًا كغيرها من البلاد، فإذا دخلها ابتدأ بالمسجد، فإذا عاين البيت كبر وهلل، وابتدأ بالحجر الأسود فاستقبله وكبر، ويرفع يديه كالصلاة ويقبله إن استطاع من غير أن يؤذي مسلمًا، أو يستلمه أو يشير إليه إن لم يقدر على الاستلام، ثم يطوف طواف القدوم، وهو سنة للأفاقي، فيبدأ من الحجر إلى جهة باب الكعبة، وقد اضطبع رداءه، فيطوف سبعة أشواط وراء الحطيم، يرمل في الثلاثة الأول، ثم يمشي على هينته، ويستلم الحجر كلما مر به، ويختم الطواف بالاستلام، ثم يصلي ركعتين في مقام إبراهيم، أو حيث تيسر له من المسجد ثم يستلم الحجر، ويخرج إلى الصفا فيصعد عليه، ويستقبل البيت ويكبر، ويرفع يديه ويهلل، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو بحاجته، ثم ينحط نحو المروة على هينته، فإذا بلغ الميل الأخضر سعى حتى يجاوز الميل الآخر، ثم يمشي إلى المروة فيفعل كالصفا وهذا شوط، يسعى سبعة أشواط يبدأ بالصفا ويختم بالمروة، ثم يقيم بمكة حرامًا يطوف بالبيت ما شاء، ثم يخرج غداة التروية إلى منى فيبيت بها حتى يصلي الفجر يوم عرفة، ثم يتوجه إلى عرفات، فإذا زالت الشمس توضأ أو اغتسل، فإن صلى مع الإمام صلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين في وقت الظهر، وإن صلى وحده صلى كل واحدة في وقتها، ثم يقف راكبًا رافعًا يديه بسطًا يحمد الله، ويثني عليه، ويصلي على نبيه عليه الصلاة والسلام، ويسأل حوائجه، وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة، ووقت الوقوف من زوال الشمس إلى طلوع الفجر الثاني من الغد، فمن فاته الوقوف فقد فاته الحج، فيطوف ويسعى ويتحلل من الإحرام ويقضي الحج فإذا غربت الشمس أفاض مع الإمام إلى المزدلفة، ويأخذ الجمار من الطريق سبعين عصاةً كالباقلاء، ولا يصلي المغرب حتى يأتي المزدلفة فيصليها مع العشاء بأذان وإقامة، ويبيت بها، ثم يصلي الفجر بغلس، ثم يقف بالمشعر الحرام‏.‏

والمزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر؛ ثم يتوجه إلى منى قبل طلوع الشمس، فيبتدئ بجمرة العقبة يرميها بسبع حصيات من بطن الوادي، يكبر مع كل حصاة‏.‏

ولا يقف عندها، ويقطع التلبية مع أول حصاة، ثم يذبح إن شاء، ثم يقصر أو يحلق وهو أفضل، وحل له كل شيء إلا النساء، ثم يمشي إلى مكة فيطوف طواف الزيارة من يومه أو من غده أو بعده، وهو ركن إن تركه أو أربعة أشواط منه بقى محرمًا حتى يطوفها‏.‏

وصفته أن يطوف بالبيت سبعة أشواط لا رمل فيها ولا سعى بعدها، وإن لم يكن طاف للقدوم رمل وسعى وحل له النساء، فإذا كان اليوم الثاني من أيام النحر رمى الجمار الثلاث بعد الزوال يرميها بسبع حصيات ثم يقف عندها مع الناس مستقبل الكعبة، وكذلك يرميها في اليوم الثالث من أيام النحر بعد الزوال، وكذلك في اليوم الرابع إن أقام، وإن نفر إلى مكة في اليوم الثالث سقط عنه رمى اليوم الرابع، فإذا انفرد إلى مكة نزل بالأبطح ولو ساعةً، ثم يدخل مكةً ويقيم بها، فإذا أراد العود إلى أهله طاف طواف الصدر، وهو سبعة أشواط لا رمل فيها ولا سعى، وهو واجب على الأفاقي، ثم يأتي زمزم يستقي بنفسه ويشرب إن قدر، ثم يأتي باب الكعبة ويقبل العتبة، ثم يأتي الملتزم، فيلصق بطنه بالبيت ويضع خده الأيمن عليه ويتشبث بأستار الكعبة، ويجتهد في الدعاء ويبكي ويرجع القهقري حتى يخرج من المسجد وإذا لم يدخل المحرم مكة وتوجه إلى عرفة ووقف بها سقط عنه طواف القدوم، ومن اجتاز بعرفة نائمًا أو مغمى عليه أو لا يعلم بها أجزأه عن الوقوف، والمرأة كالرجل، إلا أنها تكشف وجهها دون رأسها، ولا ترفع صوتها بالتلبية، ولا ترمل ولا تسعى، وتقصر ولا تحلق، وتلبس المخيط ولا تستلم الحجر، إذا كان هناك رجال، ولو حاضت عند الإحرام اغتسلت وأحرمت، إلا أنها لا تطوف، وإن حاضت بعد الوقوف وطواف الزيارة عادت ولا شيء عليها لطواف الصدر‏.‏

فصل ‏[‏العمرة‏]‏

العمرة سنة، وهي‏:‏ الإحرام، والطواف، والسعي، ثم يحلق أو يقصر، وهي جائزة في جميع السنة، وتكره يومي عرفة والنحر وأيام التشريق، ويقطع التلبية في أول الطواف‏.‏

باب التمتع

وهو أفضل من الإفراد‏.‏ وصفته‏:‏ أن يحرم بعمرة في أشهر الحج، ويطوف ويسعى، ويحلق أو يقصر وقد حل، ثم يحرم بالحج يوم التروية، وقبله أفضل، ويفعل كالمفرد، ويرمل ويسعى، وعليه دم التمتع، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام آخرها يوم عرفة، ولو صامها قبل ذلك وهو محرم جاز، وسبعةً إذا فرغ من أفعال الحج، فإن لم يصم الثلاثة لم يجزه إلا الدم، وإن شاء أن يسوق الهدى أحرم بالعمرة وساق وفعل ما ذكرنا وهو أفضل، ولا يتحلل من عمرته، ويحرم بالحج، فإذا حلق يوم النحر حل من الإحرامين وذبح دم التمتع، وليس لأهل مكة، ومن كان داخل الميقات تمتع ولا قران، وإن عاد المتمتع إلى أهله بعد العمرة ولم يكن ساق الهدى بطل تمتعه، وإن ساق لم يبطل‏.‏

باب القران

وهو أفضل من التمتع‏.‏ وصفته‏:‏ أن يهل بالحج والعمرة معًا من الميقات، ويقول‏:‏ اللهم إني أريد الحج والعمرة فيسرهما لي وتقبلهما مني، فإذا دخل مكة طاف للعمرة وسعى، ثم يشرع في أفعال الحج فيطوف للقدوم، فإذا رمى جمرة العقبة يوم النحر ذبح دم القران، فإن لم يجد صام كالمتمتع، وإذا لم يدخل القارن مكة وتوجه إلى عرفات بطل قرانه وسقط عنه دم القران وعليه دم لرفضها، وعليه قضاء العمرة‏.‏

باب الجنايات

إذا طيب المحرم عضوًا فعليه شاة، وإن لبس المخيط أو غطى رأسه يومًا فعليه شاة، وإن حلق ربع رأسه فعليه شاة، وكذلك موضع المحاجم، وفي حلق الإبطين أو أحدهما أو الرقبة أو العانة شاة، ولو قص أظافر يديه ورجليه أو واحدة منها فعليه شاة‏.‏ ولو طاف للقدوم أو للصدر جنبًا أو للزيارة محدثًا فعليه شاة، وإن أفاض من عرفة قبل الإمام فعليه شاة فإن عاد إلى عرفة قبل الغروب وإفاضة الإمام سقط عنه الدم، وإن عاد قبل الغروب بعد ما أفاض الإمام أو بعد الغروب لم يسقط، وإن ترك من طواف الزيارة ثلاثة أشواط فما دونها، أو طواف الصدر أو أربعةً منه، أو السعي أو الوقوف بالمزدلفة فعليه شاة، وإن طاف للزيارة وعورته مكشوفة أعاد ما دام بمكة، وإن لم يعد فعليه دم، ولو ترك رمي الجمار كلها أو يوم واحد، أو جمرة العقبة يوم النحر فعليه شاة، وإن ترك أقلها تصدق لكل حصاة نصف صاع بر، وإن حلق أقل من ربع رأسه تصدق بنصف صاع بر، وكذا إن قص أقل من خمسة أظافر، وكذلك إن قص خمسةً متفرقةً، ولو طاف للقدوم أو للصدر محدثًا فكذلك، وإن طاف للزيارة جنبًا فعليه بدنة وكذلك الحائض، وإن تطيب أو لبس أو حلق لعذر إن شاء ذبح شاةً، وإن شاء تصدق بثلاثة أصوع من طعام على ستة مساكين، وإن شاء صام ثلاثة أيام، ومن جامع في أحد السبيلين قبل الوقوف بعرفة فسد حجه وعليه شاة، ويمضي في حجه ويقضيه، ولا يفارق امرأته إذا قضى الحج، وإن جامع بعد الوقوف لم يفسد حجه وعليه بدنة، وإن جامع بعد الحلق، أو قبل، أو لمس بشهوة فعليه شاة؛ ومن جامع في العمرة قبل طواف أربعة أشواط فسدت، ويمضي فيها ويقضيها وعليه شاة؛ وإن جامع فيها بعد أربعة أشواط لم تفسد وعليه شاة‏.‏ والعامد والناسي سواء‏.‏

فصل ‏[‏الصيد في الإحرام‏]‏

إذا قتل المحرم صيدًا أو دل عليه من قتله فعليه الجزاء، والمبتدئ والعائد والناسي والعامد سواء‏.‏ والجزاء أن يقوم الصيد عدلان في مكان الصيد، أو في أقرب المواضع منه، ثم إن شاء اشترى بالقيمة هديًا فذبحه، وإن شاء طعامًا فتصدق به على كل مسكين نصف صاع من بر، وإن شاء صام عن كل نصف صاع يومًا، فإن فضل أقل من نصف صاع إن شاء تصدق به، وإن شاء صام يومًا‏.‏

ومن جرح صيدًا، أو نتف شعره، أو قطع عضوًا منه ضمن ما نقصه، وإن نتف ريش طائر، أو قطع قوائم صيد فعليه قيمته، وإن كسر بيضته فعليه قيمتها؛ ومن قتل قملةً أو جرادةً تصدق بما شاء، وإن ذبح المحرم صيدًا فهو ميتة، وله أن يأكل ما اصطاده حلال إذا لم يعنه‏.‏ وكل ما على المفرد فيه دم على القارن فيه دمان‏.‏

باب الإحصار

المحرم إذا أحصر بعدو أو مرض أو عدم محرم أو ضياع نفقة يبعث شاةً تذبح عنه في الحرم أو ثمنها ليشتري بها ثم يتحلل، ويجوز ذبحه قبل يوم النحر‏.‏ والقارن يبعث شاتين، وإذا تحلل المحصر بالحج فعليه أحجة وعمرة، وعلى القارن حجة وعمرتان، وعلى المعتمر عمرة، فإن بعث ثم زال الإحصار، فإن قدر على إدراك الهدى والحج لم يتحلل ولزمه المضي، وإن قدر على أحدهما دون الآخر تحلل، ومن أحصر بمكة عن الوقوف وطواف الزيارة فهو محصر، وإن قدر على أحدهما فليس بمحصر‏.‏

باب الحج عن الغير

ولا يجوز إلا عن الميت أو عن العاجز بنفسه عجزًا مستمرًا إلى الموت، ومن حج عن غيره ينوي الحج عنه‏.‏

ويقول‏:‏ لبيك بحجة عن فلان، ويجوز حج الصرورة والمرأة والعبد، ودم المتعة والقران والجنايات على المأمور، ودم الإحصار على الآمر، وإن جامع قبل الوقوف ضمن النفقة وعليه الدم، وما فضل من النفقة يرده إلى الوصي أو الورثة أو الآمر، ومن أوصى أن يحج عنه فهو على الوسط وهو ركوب الزاملة، ويحجون عن الميت من منزله، فإن لم تبلغ النفقة فمن حيث تبلغ‏.‏

باب الهدي

وهو من الإبل والبقر والغنم، ولا يجزئ ما دون الثني إلا الجذع من الضأن، ولا يذبح هدى التطوع والمتعة والقران إلا يوم النحر ويأكل منها، ويذبح بقية الهدايا متى شاء ولا يأكل منها، ولا يذبح الجميع إلا في الحرم، والأولى أن يذبح بنفسه إذا كان يحسن الذبح، ويتصدق بجلالها وخطامها، ولا يعطي أجرة القصاب منها، ولا تجزئ العوراء ولا العرجاء التي لا تمشي إلى المنسك، ولا العجفاء التي لا تنقي ولا مقطوعة الأذن ولا العمياء، ولا التي خلقت بغير أذن، ولا مقطوعة الذنب، وإن ذهب البعض إن كان ثلثا فما زاد لا يجوز، وإن نقص عن الثلث يجوز، وتجوز الجماء والخصي والثولاء والجرباء، ولا يركب الهدى إلا عند الضرورة، فإن نقصت بركوبه ضمنه وتصدق به، وإن كان لها لبن لم يحلبها، وإن ساق هديًا فعطب في الطريق فإن كان تطوعًا فليس عليه غيره، وإن كان واجبًا صنع به ما شاء وعليه بدله، ويقلد هدى التطوع والمتعة والقران دون غيرها‏.‏

كتاب البيوع

البيع ينعقد بالإيجاب والقبول بلفظي الماضي كقوله‏:‏ بعت واشتريت وبكل لفظ يدل على معناهما وبالتعاطي‏.‏

وإذا أوجب أحدهما البيع فالآخر إن شاء قبل وإن شاء رد، وأيهما قام قبل القبول بطل الإيجاب، فإذا وجد الإيجاب والقبول لزمهما البيع بلا خيار مجلس، ولا بد من معرفة المبيع معرفةً نافيةً للجهالة، ولا بد من معرفة مقدار الثمن وصفته إذا كان في الذمة، ومن أطلق الثمن فهو على غالب نقد البلد‏.‏ ويجوز بيع الكيلي والوزني كيلًا ووزنًا ومجازفةً؛ ومن باع صبرة طعام كل قفيز بدرهم جاز في قفيز واحد، ومن باع قطيع غنم كل شاة بدرهم لم يجز في شيء منها، والثياب كالغنم، فإن سمي جملة القفزان والذرعان والغنم جاز في الجميع؛ ومن باع دارًا دخل مفاتيحها وبناؤها في البيع، وكذلك الشجر في بيع الأرض ويجوز بيع الثمرة قبل صلاحها، ويجب قطعها للحال، وإن شرط تركها على الشجر فسد البيع‏.‏ ولا يجوز أن يبيع ثمرةً، ويستثني منها أرطالًا معلومةً‏.‏ ويجوز بيع الحنطة في سنبلها، والباقلاء في قشره ويجوز بيع الطريق وهبته، ولا يجوز ذلك في المسيل‏.‏

ومن باع سلعةً بثمن سلمه أولًا، إلا أن يكون مؤجلًا؛ وإن باع سلعةً بسلعة أو ثمنًا بثمن سلما معا، ولا يجوز بيع المنقول قبل القبض، ويجوز بيع العقار قبل القبض، ويجوز التصرف في الثمن قبل قبضه، وتجوز الزيادة في الثمن والسلعة والحط من الثمن، ويلتحق بأصل العقد؛ ومن باع بثمن حال ثم أجله صح، ومن ملك جاريةً يحرم عليه وطؤها ودواعيه حتى يستبرئها بحيضة أو شهر أو وضع حمل؛ ويجوز بيع الكلب والفهد والسباع معلمًا كان أو غير معلم، وأهل الذمة في البيع كالمسلمين، ويجوز لهم بيع الخمر والخنزير؛ ويجوز بيع الأخرس، وسائر عقوده بالإشارة المفهومة؛ ويجوز بيع الأعمى وشراؤه، ويثبت له خيار الرؤية، ويسقط خياره بجس المبيع أو بشمه أو بذوقه، وفي العقار بوصفه‏.‏

فصل ‏[‏جواز الإقالة‏]‏

الإقالة جائزة، وتتوقف على القبول في المجلس، وهي فسخ في حق المتعاقدين بيع جديد في حق ثالث، وهلاك المبيع يمنع صحة الإقالة، وهلاك بعضه يمنع بقدره، وهلاك الثمن لا يمنع‏.‏

باب الخيارات

خيار الشرط جائز للمتبايعين ولأحدهما ثلاثة أيام فما دونها ولا يجوز أكثر من ذلك، ومن له الخيار لا يفسخ إلا بحضرة صاحبه، وله أن يجيز بحضرته وغيبته، وخيار الشرط لا يورث؛ ومن اشترى عبدًا على أنه خباز فكان بخلافه، فإن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء رده؛ وخيار البائع لا يخرج المبيع عن ملكه، وخيار المشتري يخرجه ولا يدخله في ملكه ومن شرط الحيار لغيره جاز ويثبت لهما، وأيهما أجاز جاز وأيهما فسخ انفسخ، ويسقط الخييار بمضي المدة، وبكل ما يدل على الرضا كالركوب والوطء والعتق ونحوه‏.‏

فصل ‏[‏جواز شراء ما لم يُرَ‏]‏

ومن اشترى ما لم يره جاز، وله خيار الرؤية؛ ومن باع ما لم يره فلا خيار له، ويسقط برؤية ما يوجب العلم بالمقصود كوجه الآدمي ووجه الدابة وكفلها، ورؤية الثوب مطويًا ونحوه، فإن تصرف فيه تصرفًا لازمًا، أو تعيب في يده، أو تعذر رد بعضه، أو مات بطل الخيار، ولو رأى بعضه فله الخيار إذا رأى باقيه، وما يعرض بالأنموذج رؤية بعضه كرؤية كله؛ ومن باع ملك غيره فالمالك إن شاء رده وإن شاء أجاز إذا كان المبيع والمتبايعان بحالهم‏.‏

فصل ‏[‏مطلق البيع يقتضي سلامة المبيع‏]‏

مطلق البيع يقتضي سلامة المبيع، وكل ما أوجب نقصان الثمن في عادة التجار فهو عيب، وإذا اطلع المشتري على عيب فإن شاء أخذ المبيع بجميع الثمن، وإن شاء رده، والإباق والسرقة والبول في الفراش ليس بعيب في الصغير الذي لا يعقل، وعيب في الذي يعقل، ويرد به إلا أن يوجد عند المشتري بعد البلوغ وانقطاع الحيض عيب، والاستحاضة عيب، والبخر والدفر والزنا عيب في الجارية دون الغلام، والشيب والكفر والجنون عيب فيهما، وإن وجد المشتري عيبًا وحدث عنده عيب آخر رجع بنقصان العيب ولا يرده إلا برضا البائع‏.‏

وإن صبغ الثوب أو خاطه، أو لت السويق بسمن ثم اطلع على عيب رجع بنقصانه، وإن مات العبد أو أعتقه رجع بنقصان العيب، فإن قتله أو أكل الطعام لم يرجع، ومن شرط البراءة من كل عيب فليس له الرد أصلًا، وإذا باعه المشتري ثم رد عليه بعيب إن قبله بقضاء رده على بائعه، وإن قبله بغير قضاء لم برده، ويسقط الرد بما يسقط به خيار الشرط‏.‏

باب البيع الفاسد

وهو يفيد الملك بالقبض، ولكل واحد من المتعاقدين فسخه، ويشترط قيام المبيع حالة الفسخ، فإن باعه أو أعتقه أو وهبه بعد القبض جاز، وعليه قيمته يوم قبضه إن كان من ذوات القيم، أو مثله إن كان مثليا، والباطل لا يفيد الملك ويكون أمانةً في يده، وبيع الميتة والدم والخمر والخنزير والحر وأم الولد والمدبر والجمع بين حر وعبد وميتة وذكية باطل، وبيع المكاتب باطل إلا أن يجيزه فيجوز، وبيع السمك والطير قبل صيدهما، والآبق والحمل والنتاج واللبن في الضرع، والصوف على الظهر، واللحم في الشاة، وجذع في سقف، وثوب من ثوبين فاسد، وبيع المزابنة والمحاقلة فاسد، ولو باع عينًا على أن يسلمها إلى رأس الشهر فهو فاسد، وبيع جارية إلا حملها فاسد ولو باعه جاريةً على أن يستولدها المشتري أو يعتقها أو يستخدمها البائع أو يقرضه المشتري دراهم أو ثوبًا على أن يخيطه البائع فهو فاسد، ولا يجوز بيع النحل إلا مع الكوارات، ولا دود القز إلا مع القز، والبيع إلى النيروز والمهرجان وصوم النصارى وفطر اليهود إذا جهلا ذلك فاسد، والبيع إلى الحصاد والقطاف والدياس وقدوم الحاج فاسد، وإن أسقطا الأجل قبله جاز، ومن جمع بين عبد ومدبر أو عبد الغير جاز في عبده بحصته‏.‏

ويكره البيع عند أذان الجمعة، وكذا بيع الحاضر للبادي، وكذا السوم على سوم أخيه، وكذا النجس، وتلقى الجلب مكروه ويجوز البيع؛ ومن ملك صغيرين أو صغيرًا وكبيرًا أحدهما ذو رحم محرم من الآخر كره له أن يفرق بينهما، ولا يكره في الكبيرين‏.‏

باب التولية

التولية بيع بالثمن الأول، والمرابحة بزيادة، والوضيعة بنقيصة، ولا يصح ذلك حتى يكون الثمن الأول مثليًا أو في ملك المشتري‏.‏

ويجوز أن يضم إلى الثمن الأول أجرة الصبغ والطراز وحمل الطعام والسمسار وسائق الغنم ويقول‏:‏ قام علي بكذا، ولا يضم نفقته وأجرة الراعي والطبيب والمعلم والرايض وجعل الآبق وكراه، فإن علم بخيانة في التولية أسقطها من الثمن؛ وفي المرابحة إن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء رده‏.‏

باب الربا

وعلته عندنا الكيل أو الوزن مع الجنس‏.‏

فإذا وجدا حرم التفاضل والنساء، وإذا عدما حلا، وإذا وجد أحدهما خاصةً حل التفاضل وحرم النساء، وجيد مال الربما ورديئه عند المقابلة بجنسه سواء، وما ورد النص بكيله فهو كيلي أبدًا، وما ورد بوزنه فوزني أبدًا؛ وعقد الصرف يعتبر فيه قبض عوضيه في المجلس، وما سواه من الربويات يكفي فيه التعيين؛ ويجوز بيع فلس بفلسين بأعيانهما، ولا يجوز بيع الحنطة بالدقيق ولا بالسويق ولا بالنخالة، ولا الدقيق بالسويق، ويجوز بيع الرطب بالرطب وبالتمر متماثلًا، ويجوز بيع اللحم بالحيوان، ويجوز بيع الكرباس بالقطن، ولا يجوز بيع الزيت بالزيتون، ولا السمسم بالشيرج إلا بطريق الاعتبار، ولا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب، ويكره السفاتج‏.‏

باب السلم

كل ما أمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره جاز السلم فيه، وما لا فلا وشرائطه‏:‏ تسمية الجنس والنوع والوصف والأجل والقدر ومكان الإيفاء إن كان له حمل ومئونة، وقدر رأس المال في المكيل والموزون والمعدود، وقبض رأس المال قبل المفارقة، ولا يصح في المنقطع ولا في الجواهر، ولا في الحيوان ولحمه وأطرافه وجلوده، ويصح في السمك المالح وزنا، ولا يصح بمكيال بعينه لا يعرف مقداره، ولا في طعام قرية بعينها، ويجوز في الثياب إذا سمى طولًا وعرضًا ورقعةً، وفي اللبن إذا عين الملبن، ولا يجوز التصرف في المسلم فيه قبل القبض ولا في رأس المال قبل القبض وإذا استصنع شيئًا جاز استحسانًا، وللمشتري خيار الرؤية، وللصانع بيعه قبل الرؤية، وإن ضرب له أجلًا صار سلما‏.‏

باب الصرف

وهو بيع جنس الأثمان بعضه ببعض، ويستوي في ذلك مضروبهما ومصوغهما وتبرهما، فإن باع فضةً بفضة أو ذهبًا بذهب لم يجز إلا مثلًا بمثل يدًا بيد، ولا اعتبار بالصياغة والجودة، فإن باعها مجازفةً ثم عرف التساوي في المجلس جاز وإلا فلا، ويجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلًا ومجازفةً مقابضةً، ويجوز بيع درهمين ودينار بدينارين ودرهم وبيع أحد عشر درهمًا بعشرة ودينار، ومن باع سيفًا محلىً بثمن أكثر من قدر الحلية جاز ولا بد من قبض قدر الحلية قبل الافتراق‏.‏

وإن باع إناء فضة، أو قطعة نقرة، فقبض بعض الثمن ثم افترقا صار شركةً بينهما، فإن استحق بعض الإناء، فإن شاء المشتري أخذ الباقي بحصته، وإن شاء رده، ولو استحق بعض القطعة أخذ الباقي بحصته ولا خيار له؛ ويجوز البيع بالفلوس، فإن كانت كاسدةً عينها، وإن كانت نافقةً لم يعينها، فإن باع بها ثم كسدت بطل البيع؛ ومن أعطى صيرفيًا درهمًا وقال‏:‏ أعطني به فلوسًا ونصفا إلا حبةً جاز‏.‏

كتاب الشفعة

ولا شفعة إلا في العقار، وتجب في العقار سواء كان مما يقسم أو مما لا يقسم، وتجب إذا ملك العقار بعوض هو مال، وتجب بعد البيع، وتستقر بالإشهاد، وتملك بالأخذ، والمسلم والذمي والمأذون والمكاتب ومعتق البعض سواء، وتجب للخليط في نفس المبيع ثم في حق المبيع، ثم للجار، وتقسم على عدد الرءوس، وإذا علم الشفيع بالبيع ينبغي أن يشهد في مجلس علمه على الطلب، فإن لم يشهد بعد التمكن منه بطلت، ثم يشهد على البائع إذا كان المبيع في يده أو على المشتري أو عند العقار، ولا تسقط بالتأخير، وإذا طلب الشفيع الشفعة عند الحاكم سأل الحاكم المدعي عليه، فإن اعترف بملكه الذي يشفع به، أو قامت عليه بينة، أو نكل عن اليمين أنه ما يعلم به ثبت ملكه، وللشفيع أن يخاصم البائع إذا كان المبيع في يده، ولا يسمع القاضي البينة إلا بحضرة المشتري، ثم يفسخ البيع ويجعل العهدة على البائع، وللشفيع أن يخاصم وإن لم يحضر الثمن، فإذا قضى له لزمه إحضاره، والوكيل بالشراء خصم في الشفعة حتى يسلم إلى الموكل، وعلى الشفيع مثل الثمن إن كان مثليًا وإلا قيمته، وإن حط البائع عن المشتري بعض الثمن سقط عن الشفيع، فإن حط النصف ثم النصف أخذها بالنصف الأخير، وإن زاد المشتري في الثمن لا يلزم الشفيع، وإن اختلفا في الثمن فالقول قول المشتري، والبينة بينة الشفيع‏.‏

فصل ‏[‏بطلان الشفعة‏]‏

وتبطل الشفعة بموت الشفيع وتسليمه الكل أو البعض، وبصلحه عن الشفعة بعوض، وببيع المشفوع به قبل القضاء بالشفعة، وبضمان الدرك عن البائع، وبمساومته المشتري بيعا وإجارةً، ولا تبطل بموت المشتري؛ ولا شفعة لوكيل البائع، ولوكيل المشتري الشفعة، وإذا قيل للشفيع إن المشتري فلان فسلم ثم تبين أنه غيره فله الشفعة، وإذا قيل له إنها بيعت بألف فسلم ثم تبين أنها بيعت بأقل أو بمكيل أو موزون فهو على شفعته، ولا تكره الحيلة في إسقاط الشفعة قبل وجوبها، ومن باع سهما ثم باع الباقي فالشفعة في السهم الأول لا غير، وإن اشتراها بثمن مؤجل فالشفيع إن شاء أداه حالًا، وإن شاء بعد الأجل ثم يأخذ الدار، وإذا قضى للشفيع وقد بنى المشتري فيها، فإن شاء أخذها بقيمة البناء وإن شاء كلف المشتري قلعه؛ ولو بنى الشفيع ثم استحقت رجع بالثمن لا غير، وإذا خربت الدار أو جف الشجر فالشفيع إن شاء أخذ الساحة بجميع الثمن، وإن شاء ترك؛ وإن نقض المشتري البناء فالشفيع إن شاء أخذ العرصة بحصتها، وإن شاء ترك، وإن اشترى نخلًا عليه ثمر فهو للشفيع، فإذا جده المشتري نقص حصته من الثمن‏.‏

كتاب الإجارة

وهي بيع المنافع، جوزت على خلاف القياس لحاجة الناس، ولا بد من كون المنافع والأجرة معلومةً، وما صلح ثمنا صلح أجرةً، وتفسد بالشروط، ويثبت فيها خيار الرؤية والشرط والعيب، وتقال وتفسخ والمنافع تعلم بذكر المدة كسكنى الدار، وزرع الأرضين مدةً معلومةً أو بالتسمية كصبغ الثوب، وخياطته، وإجارة الدابة لحمل شيء معلوم أو ليركبها مسافةً معلومةً أو بالإشارة كحمل هذا الطعام؛ وإن استأجر دارًا أو حانوتا فله أن يسكنها ويسكنها من شاء ويعمل فيها ما شاء إلا القصارة والحدادة والطحن؛ وإن استأجر أرضًا للزراعة بين ما يزرع فيها، أو يقول على أن يزرعها ما شاء، وهكذا ركوب الدابة ولبس الثوب إلا أنه إذا لبس أو ركب واحد تعين؛ وإذا استأجر أرضًا للبناء والغرس فانقضت المدة يجب عليه تسليمها فارغةً كما قبضها، والرطبة كالشجر، فإن كانت الأرض تنقص بالقلع يغرم له الآجر قيمة ذلك مقلوعا ويتملكه، وإن كانت الأرض لا تنقص، فإن شاء صاحب الأرض أن يضمن له القيمة ويتملكه فله ذلك برضا صاحبه، أو يتراضيان فتكون الأرض لهذا والبناء لهذا، وإن سمى على الدابة كقفيز حنطة فله أن يحمل ما هو مثله أو أخف كالشعير، وليس له أن يحمل ما هو أثقل كالملح، وإن زاد على المسمى فعطبت ضمن بقدر الزيادة، وإن سمى قدرًا من القطن فليس له أن يحمل مثل وزنه حديدًا، وإن استأجرها ليركبها فأردف آخر ضمن النصف، فإن ضربها فعطبت ضمنها‏.‏

فصل ‏[‏الأجراء‏]‏

الأجراء‏:‏ مشترك كالصباغ والقصار، ولا يستحق الأجرة حتى يعمل، والمال أمانة في يده، إلا أن يتلف بعمله، كتخريق الثوب من دقه، وزلق الحمال، وانقطاع الحبل من شده ونحو ذلك، إلا أنه لا يضمن الآدمي إذا غرق في السفينة من مده، أو سقط من الدابة بسوقه وقوده، ولا ضمان على الفصاد والبزاغ إلا أن يتجاوز الموضع المعتاد، وخاص كالمستأجر شهرًا للخدمة ورعى الغنم ونحوه، ويستحق الأجرة بتسليم نفسه وإن لم يعمل، ولا يضمن ما تلف في يده ولا بعمله إذا لم يتعمد الفساد، ومن استأجر عبدًا فليس له أن يسافر به إلا أن يشرطه‏.‏

والأجرة تستحق باستيفاء المعقود عليه، أو باشتراط التعجيل أو بتعجيلها، وإذا تسلم العين المستأجرة فعليه الأجرة وإن لم ينتفع بها، فإن غصبت منه سقط الأجر، ولرب الدار أن يطالب بأجرة كل يوم، والحمال بأجرة كل مرحلة، وتمام الخبز إخراجه من التنور، وتمام الطبخ غرفه، وتمام ضرب اللبن إقامته، ومن لعمله أثر في العين كالصباغ والخياط والقصار يحبسها حتى يستوفي الأجر، فإن حبسها فضاعت لا شيء ولا أجر له عليه، ومن لا أثر لعمله كالحمال والغسال ليس له ذلك، وإذا شرط على الصانع العمل بنفسه ليس له أن يستعمل غيره، وإن قال‏:‏ إن سكنت هذا الحانوت عطارًا فبدرهم، وحدادًا بدرهمين جاز، وأي العملين عمل استحق المسمى له ‏.‏

فصل ‏[‏فساد الإجارة‏]‏

وإذا فسدت الإجارة يجب أجر المثل، ولا يزاد على المسمى، وإذا استأجروا دارًا كل شهر بدرهم صح في شهر واحد وفسد في بقية الشهور إلا أن يسمى شهورًا معلومةً، فإذا تم الشهر فلكل واحد منهما نقض الإجارة، فإن سكن ساعةً في الشهر الثاني صح العقد فيه، وكذلك كل شهر سكن أوله؛ ومن استأجر جملًا ليحمل له محملًا إلى مكة جاز وله المعتاد من ذلك، وإن استأجره لحمل الزاد فأكل منه فله أن يرد عوضه، ويجور استئجار الظئر بأجرة معلومة، ويجوز بطعامها وكسوتها، ولا يمنع زوجها من وطئها، ولا تجوز الإجارة على الطاعات كالحج والأذان والإمامة وتعليم القرآن والفقه، وبعض أصحابنا المتأخرين قال‏:‏ يجوز على التعليم والإمامة في زماننا، وعليه الفتوى، ولا تجوز على المعاصي كالغناء والنوح ونحوهما، ولا على عسب التيس، وتجوز أجرة الحجام والحمام؛ ومن استأجر دابةً ليحمل عليها طعامًا منه فهو فاسد، ولو قال‏:‏ أمرتك أن تخيطه قباءً، وقال الخياط قميصًا، فالقول لصاحب الثوب ويحلف، فإذا حلف فالخياط ضامن؛ ولو قال‏:‏ خطته بغير أجر، وقال الصانع بأجر، فإن كان قبل العمل يتحالفان ويبدأ بيمين المستأجر، وإن كان بعد العمل فالقول لصاحب الثوب، وإذا خربت الدار أو انقطع شرب الضيعة أو ماء الرحى انفسخ العقد، ولو مات أحدهما وقد عقدها لنفسه انفسخت، وإن عقدها لغيره لم تنفسخ‏.‏

وتفسخ الإجارة بالعذر، كمن استأجر حانوتا ليتجر فأفلس، أو آجر شيئًا، ثم لزمه دين ولا مال له سواه؛ وكذلك إن استأجر دابةً للسفر فبدا له تفسخ الإجارة، وإن بدا للمكاري فليس بعذر‏.‏

كتاب الرهن

وهو عقد وثيقة بمال مضمون بنفسه يمكن استيفاؤه منه، ولا يتم إلا بالقبض أو بالتخلية، وقبل ذلك إن شاء سلم وإن شاء لا، ولا يصح إلا محوزًا مفرغا متميزًا، فإذا قبضه المرتهن دخل في ضمانه، ويهلك على ملك الراهن حتى يكفنه، ويصير المرتهن مستوفيا من ماليته قدر دينه حكما والفاضل أمانة، وإن كان أقل سقط من الدين بقدره، وتعتبر القيمة يوم القبض، فإن أودعه أو تصرف فيه ببيع أو إجارة أو إعارة أو رهن ونحوه ضمنه بجميع قيمته، ونفقة الرهن وأجرة الراعي على الراهن ونماؤه له، ويصير رهنا مع الأصل، إلا أنه إن هلك يهلك بغير شيء، وإن بقي النماء وهلك الأصل افتكه بحصته، يقسم الدين على قيمته يوم الفكاك وقيمة الأصل يوم القبض وتسقط حصة الأصل، وتجوز الزيادة في الرهن ولا تجوز في الدين ولا يصير الرهن رهنا بهما، وأجرة مكان الحفظ على المرتهن، وله أن يحفظه بنفسه وزوجته وولده وخادمه الذي في عياله، وليس له أن ينتفع بالرهن، فإن أذن له الراهن فهلك حالة الاستعمال هلك أمانةً‏.‏

ويصح رهن الدراهم والدنانير، فإن رهنت بجنسها فهلكت سقط مثلها من الدين، وكذلك كل مكيل وموزون، وإن اختلفا في الجودة والرداءة؛ ويصح برأس مال السلم وبدل الصرف، فإن هلك قبل الافتراق تم الصرف والسلم وصار مستوفيا، وإن افترقا والرهن قائم بطلا؛ ويصح بالدين الموعود، فإن هلك هلك بما سمى‏.‏ ومن اشترى شيئا على أن يرهن بالثمن شيئا بعينه فامتنع لم يجبر، والبائع إن شاء ترك الرهن، وإن شاء رد البيع، إلا أن يعطيه الثمن حالًا، أو يعطيه رهنا مثل الأول، وإن رهن عبدين بدين فقضى حصة أحدهما فليس له أخذه حتى يقضي باقي الدين، وإن رهن عينا عند رجلين جاز، والمضمون على كل واحد منهما حصة دينه، فإن أوفى أحدهما فجميعها رهن عند الآخر، وللمرتهن مطالبة الراهن وحبسه بدينه وإن كان الرهن في يده، وليس على المرتهن أن يمكنه من بيعه لقضاء الدين‏.‏

فصل ‏[‏بيع الرهن‏]‏

فإذا باع الراهن الرهن فهو موقوف على إجازة المرتهن أو قضاء دينه، وإن أعتق العبد الرهن نفذ عتقه، فيطالب بأداء الدين إن كان حالًا، وإن كان مؤجلًا رهن قيمة العبد، وإن كان معسرًا سعى العبد في الأقل من قيمته والدين، ويرجع على المولى إذا أيسر، وإن استهلكه أجنبي فالمرتهن يضمنه قيمته يوم هلك، وليس له أن ينتفع بالرهن، فإن أعاره المرتهن فقبضه الراهن خرج من ضمانه، فلو هلك في يد الراهن هلك بغير شيء، وإن وضعاه على يد عدل جاز، وإن شرطا ذلك في العقد فليس لأحدهما أخذه، ويهلك من ضمان المرتهن، ويجوز أن يوكل المرتهن وغيره على بيع الرهن، فإن شرطها في عقد الرهن لم ينعزل بموت الراهن ولا بعزله؛ وإذا مات الراهن باع وصيه الرهن وقضى الدين، فإن لم يكن له وصي نصب القاضي من يفعل ذلك؛ ومن استعار شيئًا ليرهنه جاز، وإن لم يسم ما يرهنه به، فإن عين ما يرهنه به فليس له أن يزيد عليه ولا ينقص‏.‏